متوكل هاشم عثمان مشرف عام
عدد المساهمات : 63 نقاط : 189 تاريخ التسجيل : 03/07/2012 الموقع : البجراوية
| موضوع: اغتيال لغتنا العربية .. على قارعة الحضارة الأربعاء يوليو 04, 2012 4:23 pm | |
|
إذا كانت اللغة هي الحامل لحضارة الأمم المتكلمة بها ،والنسيج الحقيقي الذي يجسرها بماضيها وحاضرها ،ويكون امتدادا لاستمرار بقائها ووجود كيانها . إذا فهي المدماك الرئيسي التي ترتكز عليه حياة الشعوب على مر الدهور ، ولغتنا العربية خير مثال على ذلك إذ كانت ولا تزال في مقدمة اللغات الحية التي اخترقت حواجز التاريخ بفضل معانيها الجليلة ودلالاتها الثرية التي استحالت قناديل من ذهب تعكس بلمعانها الشفيف وجه حضارتنا وثقافتنا على حد سواء .وقد توضح ذلك على مر عصورنا منذ ما قبل الإسلام وحتى وقتنا الحاضر ، فمن حروفها صيغت أجمل الكلمات .... ومن هذه الكلمات أبدعت معلقات امرؤ القيس ..وعنترة ومنها أيضا نظمت روائع جبران .. و الجواهري .. ونزار ومن حذا حذوهم من مبدعي العصر الحديث اللذين استطاعوا تطويع الكلمة ووضعها في إطار معنوي حولها من جماد إلى عالم فياض بالمعاني والصور والموسيقى ... ورغم المكانة الرفيعة التي حظيت بها لغتنا على أيدي أولئك ، فإننا نجد في الوقت نفسه أن ثمة منغصات بدأت تولد أزمة متشابكة الحلقات تعيق مسيرها وتبطئ عجلة حراكها خلق هذه المنغصات بعض المتثاقفين وأدعياء الفن ومن لف لفهم من النشء الجديد الذين اغتروا أو غرر بهم أمام ( سيلان ) الوافدات التي تنفثها القنوات المأجورة أو المؤجرة أو المستأجرة ... سيان ناهيك عن تلك التي تنبعث منها روائح اللحم الأبيض والنفط الأسود..!! وترفرف فوق أبراجها راية الدولار الموشومة بشيفرة الماسونية ،إذ لا بد في هذه الحال من تدويل اللغة أو نهب خصوصيتها أو سلب شرعيتها .. فتحول اللفظ العذب والمعنى الدال الجميل إلى رطانة ، لا يهم إلى أية عوالم تنتسب ، بل المهم ( حسب عقولهم المعولمة ) أن تكون الرطانة بحد ذاتها للدلالة على الرقي ، مع أن رقيهم المزعوم ليس في حقيقته الخفية سوى وقوف ذليل على قارعة الحضارة ... فلا بأس أصبحت ( نو بربلم ) وأجل ( أوكي ) وشكرا ( ثانكس أو ميرسي ) وصباح الورد ( بونجور ) ومساء الخير ( بونسوار ) ... وغيرها الكثير من المفردات التي أقحمت قسرا في ثنايا حواراتنا ومجاملاتنا، وسحبت البساط من تحت مرادفاتها العربية كأنها الوريث الشرعي لها ، لتظهرها كثوب بال غلبت الرقع على نسيجه . والباعث للقلق أكثر منه للاستغراب أن ذلك كله يحدث دون فائدة مرجوة ،سوى أن تلك المهازل المتناسلة في خلايا مجتمعنا كالسرطان ستستحيل مع مرور الوقت إلى مسامير في نعش ينتظر اغتيال اللغة العربية لدفنها أو وأدها لا فرق ... وعندما تدفن اللغة ستدفن مبادئ وقيم وتقاليد توارثناها أبا عن جد ،وتدفن معها ذاكرتنا الفردية والجمعية وهذا مربط الفرس كما يقال .( التذويب الحضاري)!!؟ فهل تعني تلك الهجمة( من الآخر)تمرير مكيدة جديدة ؟! أم تنطع لغوي(من جانبنا) للفت الأنظار وسد النقص الفردي أمام عقدة ( الخواجة ) أم هي سريالية محدثة لخلخة المعنى الثقافي أمام الثقافات المعلبة ... أم أنها تشاكل حضاري وتجاوز وجداني لتاريخ تجذر في الذات العربية ....؟؟!!! أسئلة عديدة نطرحها على أنفسنا كغيارى على اللغة والذات العربية قبل أن نطرحها على الملأ..!! بيد أننا نعتقد أن الهجمة تلك _ تعني بالضبط _تقويض انتماءاتنا وطمس الماهيات الوجودية للإنسان العربي ، لأن مصادرة اللغة وزجها في زنازن التغريب يعني اغتيال الذات العربية والشخصية العربية واندثار وجودها ... خصوصا إذا علمنا أن عدد الناطقين بلغة الضاد قد تضاءل إلى خمسة بالمئة من سكان الأرض ، وأن حصتها في عالم الانترنت _ مالئ الدنيا وشاغل الناس _ لا يتجاوز الواحد بالمئة فقط . لذا فالأمر يحتاج إلى وقوف مطول ومراجعة متأنية لأوراق حساباتنا قبل فوات الأوان في المشهد الحياتي عموما والثقافي على وجه التحديد الذي يعاني مخاضا عسيرا منذ سنين ، حتى لا نقع في مستنقع الإفلاس اللغوي فنجد أنفسنا خارج العالم في دائرة الشتات أو على هامش الحضارة الإنسانية ... ذات زمن ليس ببعيد ..!!! فنصبح آنذاك في خبر كان ....... وأخواتها
| |
|